السبت، 12 سبتمبر 2009 ~ 0 التعليقات

المسرحية الإماراتية التونسية «حرقص».. الغوص في متاهات الإنسان




المسرحية الإماراتية التونسية «حرقص».. الغوص في متاهات الإنسان






جمال عياد - عرضت قبل أيام بتونس العاصمة مسرحية ''حرقص'' للكاتب الإماراتي صالح كرامه العامري، ومن إخراج التونسي منير العماري وتمثيل فرقة فرقة فن التونسية ، التي اشتهرت بتقديم فن مخلص، بمختلف المعايير المتفق عليها، ولان تونس قد اشتهرت بالمسرح وفرقها التي تنتهج فن حافل بالمفاجئة فكانت هذه مسرحية، التي تتماها في الثراء وتغوص في متاهات الإنسان ، الذي يشد من الوهلة الأولى استقامة اللقطة المسرحية وتحولها بما يقدم على الخشبة وما سيفهمه المشاهد وما سيتعرف عليه، وهذا بحسب المؤلف كرامة نفسه، الذي أشار في حديث ل''لرأي'' إلى محاولاته تحويل كل المقترنات من استساغة أن يتم يتحكم في الموروث الذي اعتمد عليه بطل المسرحية حرقص من اجل أن يتحول إلى حديث المسرحية من كافة جوانبها، ولقد انشغل المخرج منير العماري، في ترتيب احتمالات أن تنجح كل هذه الأفكار وتحولها من قدرة على التحول التام وقدرة على استخلاص ما تفكر به جل المسرحية أن المسرحية التي كتبتها، كانت مطابقة لما للمعنى العام لمتن النص، وكان هذا الحوار:
- ما رأيك في العرض، وهل كانت رسائله قريبة أم بعيدة عن نصك الأدبي؟.
أنا راضي كل الرضا لما قدم على الخشبة، وخصوصا من إغراق باللهجة التونسية، فالمخرج العماري لم يغادر النص الأصلي، الذي كتب بالفصحى بل أن بعض الكلمات التونسية جاءت محكات لما هو مكتوب بالفصيح، فنحن امة تتكلم اللهجة ولكنها فصيحة، فأتقن المخرج العامري التصدي لنص (حرقص ) بمحمولاته الرمزية، وخصوصا لجهة فلسفة الطرح، وكان يطرق شخصية حرقص بشكل واعي فجاء العرض المسرحي في مناخ صحراوي ولمست هذا من الثيمة الأساسية في تقديمه ناحية الظل وهو ماحتوت قدرته على تجسيد كل المستويات التي تحتوي نوع من الاستعدادات المسرحية، التي تحولت إلى طريقة استثنائية ولقد شاهدت عرضا مستوحاة من النص نفسه لقد قفز النص فوق كل الملتزمات الفجة على الخشبة الذي بدأ العرض المسرحي بهمهمة من الممثلين الذين أتقنوا أدوارهم لقد شاهدت شخصية (حرقص ) ذلك الشخص الذي انتهز الحياة من اجل أن يصل إلى مبتغاه، لقد تحولت الخشبة مع مسرحية حرقص مفتاحا للتأويلات المشروعة ناحية نص منجز لقد شاهدت اناس يتقدمون ناحية الخشبة وكأنهم يعلنون عن فترة من الوقت المتبقي من الحياة لكي يستعدو لها، ولكي يتمترس خلفها بطل المسرحية ألا هو (حرقص)، ذلك الرجل الانتهازي الذي ظل طيلة العمل ممسكا بخيوط اللعبة حتى في الأخير يصبح جزء من ديمومة الحدث لكي نصل إلى ان (حرقص ) هو في طبيعته يتحول إلى مساهم فعلي في زراعة الشر.
- وحول الرؤية الإخراجية؟.
قد نعود قليلا في التحليل المنطقي للناحية الإخراجية، بعيدا عن المؤلف الذي حضر من الإمارات، لكي يشاهد عرضه، ونحن نحترم رأي المؤلف، فهو في المقام الأول حريصا كل الحرص على ان يشاهد نصه النور، وأنا اعتقد بأنه وعلى سبيل الطرح ظهر الكثير من المستوى المطروح في المسرحية، واختتم فيه طبيعة الحدث الفني، وقد ساعد كل هذا في موضوع التناول ونحن نحي هذه النخبة الحية في تونس إذ تصدت لمستوى نص راق، وعلى صعيد الإخراج كان منير العماري وهو أكاديمي سبق وان قدم مسرح ذا مستوى فني راقي في مسرحية ''فضائل العشرة''، مع هذه المجموعه واكتسب العرض احترام الجميع في تونس وخارجها، أما على صعيد (حرقص) الشخصية، أولا تولى العماري هو نفسه بطولة المسرحية لما حملته شخصيته وبنيته الجسمانية مركزية الدلالة في هذا العمل الفني، وقد وفق فيها كثيرا، وكما اعرف انه جرب كثير من الممثلين في هذا الدور واقتنع انه هو الأصلح، واعتمد في مسرحيته على بناء الشخصية الرئيسية من الداخل والخارج، وكما نعرف ان الفتاة التي مثلت دور (شرفة) هي (فاتن الشوايبي) تلك الفتاة التي وان سبق وان شاهدتها في مسرحية فضائل العشرة، ونالت العديد من الجوائز وهي هنا تكرر هذا التألق نفسه كانت سمات الفتاة (شرفة ) كما رسمه مؤلف النص، إنها فتاة تعيش في كنف أمها (رباب)، وكلاهما يعيشان في قرية نائية وهذا ما يذكرني به رواية (رباعية الإسكندرية ) لدانيال اونيل، ففي رواية (جوستين ) تعيش الأخيرة مع أمها في الصحراء المحيطة بمدينة الإسكندرية، وهما يعيشان في ظل العدم والصمت كل هذه من اجل تحريك الحياة في مجتمع الحياة.
- كيف رصدت الرؤية البصرية؟.
إذا عدنا إلى مستوى الرؤية المرئية، فأن المخرج اعتمد على استقامة الحدث، وإن تحول كل شي إلى مستويات التطبيق، أظهر المسرحية برؤية بصرية هامة، وهو كما حدث في سياق الأحداث، ان تدخل شخوص: (حرقص) مع (شرفة) و(حارث) هم يهمهمون، واعتمدت كل المؤثرات الصوتية على الهمهمات الصوتية البشرية، بعيدا عن إيقاعات الموسيقى، وبذلك تطورت الأحداث بان يدخل (حرقص) مع قائد الجند، الذي مثلته (نجاح العلوي) الذي ارتدت بزة عسكريه، متوسدة عربة، يجرها فيها مساعده والذي مثلته باحتراف (رفيقه)، وشاهدنا بعد ذلك يدخل (حارث) الذي قام بالدور الفنان (المالكي اللبادي)، وتتم المساومة في كيفية بيع السلاح واستلامه، هناك في تلك اللحظات الدرامية، تم فيها الاقتران في عملية البيع، وبين ان يصبح السلاح مع الأعداء وبحوزتهم كل هذه الكمية من السلاح وكيفية التصرف به وعندما يكتشف (حارث ) ان (حرقص) قد باع السلاح للاعداء، تثور ثائرته ويتحدى نفسه، حتى يدخل قائد الجند ليجده برفقة (حرقص)، فيقتله عندها يرمي لحرقص قوالب الذهب مقابل السلاح، فيستحوذ عليها في ان كل شي قابل للتبديل عندها يشعر (حرقص ) بالحرقة الفلسفية أي أن النص صعد على قمته واستطاع ان يحترق في فضاء الحياة.
- وحول رؤية العرض؟.
قال المخرج منير العماري: إن العرض استهلك منه وقتا طويلا مع ممثلين أضناهم التعب، وقد انخرط فريق العمل في عمل دؤب طيلة فترة التدريبات الطويلة.، ولقد اعتمدت في هذا الحقل على مقدرة الممثل في تلقي ما يمليه له ذاكرته وانشغلت في طيلة الفترة على ان القيه في أتون الحدث، ولا اخفي على أحد، فأنا غيور على عملي إذا لم يناسبني ممثلا افتح باب الصالة له نحو الخارج، وبذلك جربت الكثر على إتقان هذا الدور الرئيسي (حرقص)، ولكنهم تضائلوا، إما معطيات الشخصية فصعدت قبل أسابيع وانغمست في الدور حتى تماهي معي أولا، لأن هذا الدور يحتاج إلى حضور من قبل مؤديه، فلا يمكن ان تلتصق بك الشخصية دون عناء منك.
-وعن لقائك مع كاتب النص كرامة؟.
لقد قابلت المولف كرامه في المغرب وأهداني نصه، قلت له انه نص شائك، ولا احد يحتمله في هذا الزمن ولكن الحياة واقدارها لاتكف عن ملاحقتنا، وبدأت انشغالي على النص بحيث قرأته مرات ثم فسرت ما بين سطوره، فقادني قدري في ان أحوله الى التونسية المحكية، وبذلك أوجدت مقارنة بين لغة المؤلف الشفافة ولغتي المحكية، وتوصلت في النهاية إلى أن تظل الجملة كما هي تحلق في سرعة ضوئية متناهية، ولذلك كانت المشقة عندما تمت المقارنة بين ما يحول لغة كرامة الشكسبيرية الى للهجة المحكية التونسية، فوقعنا حتما في تسطير النص، بواسطة أن اقترب من لغة الشعر العامي والفصيح، فلم يحدث هناك فرقا يحقق التمحور حوله وعدم تجاوزه.